أعدها: وجدي القمص شنوده
يناقش هذا البحث اللقب "نَاصِرِي" الذي دعيَّ به ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، وجذور هذا الاسم الكتابية كما ورد في إنجيل معلمنا متى: "وَأَتَى وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرِةُ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأنبياء: «إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيًّا" ([1])
ولما كان هذا اللقب غير موجود في العهد القديم بصورة مباشرة، تطرح هذه الدراسة آراء آباء الكنيسة عن هذا اللقب وأيضًا وجهة نظر الأسلوب اليهودي في التفسير في هذا العصر مع تطبيقه على اللفظ محل الدراسة لاستنتاج حقيقة تلك النبوءة من عدمها.
طرحت تلك النبوءة جدالًا من حيث عدم وجود نبوءة صريحة بها، مما دعا بعض آباء الكنيسة، مثل: القديس يوحنا ذهبي الفم John Chrysostom (تنيح407م) الذي استنتج بأنها ربما تكون نبوءة مفقودة ([2])، إلا أن القديس يوحنا ذهبي الفم وضح شيئًا آخر في مفهوم الاقتباس من العهد القديم في منهج كتاب العهد الجديد، يقول فيه:
[Where are these words written? Why, it is said to have been "written," then also, when it is set down, not in words, but in actual events, as in the historical books; or when the same meaning is expressed, but not in the very same words, as in this place] ([3])
[أين كتبت هذه الكلمات؟ لماذا يُقال إنه: "مكتوب"، ثم أيضًا، عندما يذكر، ليس بالكلمات، ولكن في الأحداث الفعلية، كما في الكتب التاريخية؛ أو عند التعبير عن نفس المعنى، ولكن ليس بنفس الكلمات، كما هو الحال في هذا المكان]
مما يعطي استنتاجًا مقبولًا أنه ثمة تقليد موروث بنبوءات غير مدونة ولكن يمكن فهمها، أو أن هناك أسلوب آخر يمكن من خلاله تفسير تلك اللفظة (نَاصِرِي) سواء كان هذا الأسلوب بالمعنى أو باللفظ أو طبقًا لعادة المفسر اليهودي في ذلك الزمان، وهذا يتفق مع العبارة التي أوردها معلمنا متى انها: "قِيلَ بِالأنبياء"، وربما يكون كلمة الأنبياء تعود على تقسيمة الكتاب العبراني الذي يقسم إلى توراه وأنبياء وكتابات، ولكن الأوقع أنها تعود على رؤية تفسيرية لما أورده الأنبياء، لأن معلمنا متى اعتاد أن يكرر عبارة "بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ" ([4])، أو كما ورد بِإِشَعْيَاءَ أو بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ الْقَائِلِ. ([5])
ولكن عبارة "قِيلَ بِالأنبياء" تفيد الشيوع وعدم التخصيص مما يطرح الاتجاه إلى أسلوب التفسير اليهودي في ذلك الوقت، ومن خلال ذلك المبدأ فأن هذا اللفظ (نَاصِرِي) الوارد في الآية محل الدراسة هو نوع من التورية اللفظية، وقد انتشرت في الأدب اليهودي في المرحلة اليونانية الرومانية. ([6])
و تعرف هذه الطريقة بالنوطاريقون ([7]) وهي طريقة تفسيرية لها أسلوبين:
الأول يعتمد على المشابهات النطقية.
الثاني يعتمد على أن بعض الكلمات كل حرف منها يمثل كلمة مستقلة فيما يعرف بالاختزالات ([8])
وفي إطار الأسلوب الأول واعتماده على المتشابهات النطقية فقد أورد القديس جيروم Jerome (تنيح420م) في إطار ذلك الآتي:
الأول: إن كلمة نَاصِرِي (נָצְרִי) ([9]) هي تورية لفظية لكلمة غصن الواردة في (إشعياء 11: 1) "وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى وَيَنْبُتُ غُصْنٌ (נֵצֶר) مِنْ أُصُولِهِ" كالآتي:
[Once more it is written in the pages of the same evangelist, "And he came and dwelt in a city called Nazareth: that it might be fulfilled which was spoken by the prophets, He shall be called a Nazarene. " Let these word fanciers and nice critics of all composition tell us where they have read the words; and if they cannot, let me tell them that they are in Isaiah. For in the place where we read and translate, “There shall come forth a rod out of the stem of Jesse, and a branch shall grow out of his roots,” in the Hebrew idiom it is written thus, “There shall come forth a rod out of the root of Jesse and a Nazarene shall grow from his root.” How can the Septuagint leave out the word ‘Nazarene,’ if it is unlawful to substitute one word for another? It is sacrilege either to conceal or to set at naught a mystery].([10])
[ومرة أخرى مكتوب في صفحات نفس المبشر، "وأتى وأقام في مدينة تدعي النَاصِرِة: لكي يتم ما قاله الأنبياء، يجب أن يُدعى نَاصِرِيًا". يخبرنا النقاد اللطفاء من جميع التشكيلات أين قرأوا الكلمات؛ وإذا لم يستطيعوا، دعني أقول لهم إنهم في إشعياء. لأنه في المكان الذي نقرأ فيه ونترجم، "يخرج قضيب من جذع يسى، وينمو فرع من جذوره"، ([11])في المصطلح العبري، يُكتب على هذا النحو، "من أصل يسى وينمو النَاصِرِي من أصله". كيف يمكن أن تستبعد الترجمة السبعينية كلمة "نَاصِرِي" إذ كان استبدال كلمة بأخرى غير قانوني؟ إنه تدنيس للمقدسات إما أن نخفي أو نبدد لغزًا]
وقد أتت كلمة (נֵצֶר) ([12]) بمعنى غصن في أربعة مواضع فقط في العهد القديم منهم الآية السابقة في إشعياء، ثم في موضعين في سفر إشعياء وفي موضع في سفر دانيال كالآتي:
- "وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ طُرِحْتَ مِنْ قَبْرِكَ كَغُصْنٍ أَشْنَعَ. كَلِبَاسِ الْقَتْلَى الْمَضْرُوبِينَ بِالسَّيْفِ الْهَابِطِينَ إلى حِجَارَةِ الْجُبِّ. كَجُثَّةٍ مَدُوسَةٍ". ([13])
- "وَشَعْبُكِ كُلُّهُمْ أَبْرَارٌ. إلى الأَبَدِ يَرِثُونَ الأَرْضَ غُصْنُ غَرْسِي عَمَلُ يَدَيَّ لأَتَمَجَّدَ". ([14])
- "وَيَقُومُ مِنْ فَرْعِ أُصُولِهَا قَائِمٌ مَكَانَهُ وَيَأْتِي إلى الْجَيْشِ وَيَدْخُلُ حِصْنَ مَلِكِ الشِّمَالِ وَيَعْمَلُ بِهِمْ وَيَقْوَى". ([15])
والجدير بالملاحظة إن كلمة נֵצֶר تأتي بمعنى حافظ أو حامي في العهد القديم أكثر بكثير من معناها كغصن:
- "أَنَا الرَّبُّ حَارِسُهَا. נצרה أَسْقِيهَا كُلَّ لَحْظَةٍ. لِئَلاَّ يُوقَعَ بِهَا أَحْرُسُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا". ([16])
- "طُوبَي لِحَافِظِي נצרי شَهَادَاتِهِ. مِنْ كُلِّ قُلُوبِهِمْ يَطْلُبُونَهُ". ([17])
فيكون من خلال مبدأ التورية اللفظية يمكن تفسير نَاصِرِي على إنها:
- الغصن أو الحامي أو الحافظ ([18])
ويلاحظ أن ليس كل كلمة غصن هي נצר ولكن التي وردت في الأربعة آيات فقط، أما باقي الآيات التي تحوي كلمة غصن يكون المرادف العبري لها צמח، كالآتي:
- "فَاسْمَعْ يَا يَهُوشَعُ الْكَاهِنُ الْعَظِيمُ أَنْتَ وَرُفَقَاؤُكَ الْجَالِسُونَ أَمَامَكَ (لأَنَّهُمْ رِجَالُ آيَةٍ) لأَنِّي هَأنَذَا آتِي بِعَبْدِي [الْغُصْنِ]" ([19])
"وَقُلْ لَهُ: هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هُوَذَا الرَّجُلُ [الْغُصْنُ] اسْمُهُ. وَمِنْ مَكَانِهِ يَنْبُتُ وَيَبْنِي هَيْكَلَ الرَّبِّ". ([20])
وذلك لئلا يختلط الأمر على المفسرين فيعتقدون ان كل كلمة غصن هي נצר.
وفي إطار الطريقة الثانية من النوطاريقون أي الاختزالات، فيمكن فهمها من خلال اعتقاد المفسرين اليهود في لفظ آدم אָדָם والمكون من ثلاثة حروف إنها اختصارًا لثلاث كلمات هي آدم אָדָם وداود דוד والمسيح מָשִׁיחַ ([21]) كما في الشكل:
ويلاحظ آثار هذه الطريقة ([22]) في شعار المسيحية في القرون الأولى ἸΧΘΥϹ السمكة ([23]) وهي اختصار إلى: Ἰησοῦς Χρῑστός Θεοῦ Υἱός Σωτήρ ([24]) يسوع المسيح ابن الله المخلص كما في الشكل المبين:
ويمكن على نفس المنوال تفسير الكلمة נצרי على إنها اختزال لعدة أسماء للمسيح لدى اليهود مشاعة في ذلك الوقت ويمكن استنتاجها كالتالي:
1. نيهيرا נהירה: ويقول مدراش رباه ([25]) عن الرابي ([26]) بيفا R. Biva of Srungaya: "إن اسم المسيا سيكون نيهيرا كما ورد في سفر دانيال: "هُوَ يَكْشِفُ الْعَمَائِقَ وَالأَسْرَارَ. يَعْلَمُ مَا هُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَعِنْدَهُ يَسْكُنُ النُّور (נְהִירָא)"،([27]) ويكون اسم المسيا هو نيهيرا נְהִירָא أي النور. ([28])
2. صامخ أو صامح צֶ֤מַח: ويستدل الرابي يشوع بار ليفي عن الاسم في الأدب العبري من الآية: "وَكَلِّمْهُ قَائِلًا: هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلًا: هُوَذَا الرَّجُلُ «الْغُصْنُ» (صامخ צֶ֤מַח (Zech. 6:12 BHS)) اسْمُهُ. وَمِنْ مَكَانِهِ يَنْبُتُ وَيَبْنِي هَيْكَلَ الرَّبِّ". ([29]) ويكون أن اسم المسيا هنا هو صامخ أو صامح بالنطق القديم وتعني الغصن.
3. ريشون רִאשׁוֹן يطرح التلمود البابلي ([30]) أسماء للمسيا وهو ريشون أي المحطم الذي يحطم بذرة عيسو.
אֶלָּא, הָנֵי שְׁלֹשָׁה ״רִאשׁוֹן״ מִיבְּעֵי לֵיהּ לְכִדְתָנֵי דְּבֵי רַבִּי יִשְׁמָעֵאל. דְּתָנָא דְּבֵי רַבִּי יִשְׁמָעֵאל: בִּשְׂכַר שְׁלֹשָׁה ״רִאשׁוֹן״, זָכוּ לִשְׁלֹשָׁה ״רִאשׁוֹן״: לְהַכְרִית זַרְעוֹ שֶׁל עֵשָׂו, לְבִנְיַן בֵּית הַמִּקְדָּשׁ, וְלִשְׁמוֹ שֶׁל מָשִׁיחַ.
توضح الجمارا ([31]) أن تلك المرات الثلاثة التي ذكرت فيها كلمة ريشون فيما يتعلق بالأعياد هي ضرورية لما علمته مدرسة الرابي إسماعيل. في ثلاث مرات تم ذكر كلمة ريشون فيما يتعلق بالأعياد التي يحتفل بها الشعب اليهودي، كان لهم الحق في ثلاثة أمور يشار إليها أيضًا باسم ريشون: القضاء على نسل عيسو، بناء الهيكل، واسم المسيح. ([32])
4. يشوع יהושׁוּע: وهو الاسم الأقل انتشارًا في الأدب اليهودي الحديث ولكن له جذور تاريخية، وقد يكون بسبب اسم المسيا في العقيدة المسيحية، إلا أن الاسم يعتبر واقعي جدًا لارتباط المسيا بالخلاص نظرًا لأن أصل الاسم الرب يخلص. ([33])
1. لم ترد عبارة نَاصِرِي صراحة في كتب العهد القديم.
2. استخدام معلمنا متى عبارة قيل بالأنبياء يفيد الشيوع وعدم الاختصاص مما يجعل الدارس ييقن بأن معلمنا متى اختص بهذه العبارة الرأي التفسيري اليهودي المتداول في هذا الوقت.
3. المدارس التفسيرية اليهودية تستعمل طريقة النوطاريقون، ولها شقان:
الأول: هو التورية النطقية واللفظية
الثاني: هو الاختزالات وتتمثل في أن كل حرف في الكلمة هو أصل لكلمة مستقلة.
4. في اطار التورية النطقية أورد جيروم أن اللفظ نَاصِرِي נצרי هو ذاته لفظ الغصن الوارد في (إشعياء 11: 1): "وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى وَيَنْبُتُ غُصْنٌ נצר مِنْ أُصُولِهِ"
5. في إطار الأسلوب الثاني يمكن الاستدلال على أن كلمة نَاصِرِي هي اختزال لعدة أسماء للمسيا في ذلك الوقت وهي נהירה وצֶ֤מַח وרִאשׁוֹן وיהושׁוּע.
[1] (Matt. 2:23 AVD)
[2] Chrysostom: The Homilies of St. John Chrysostom: Matthew II. 16 p. 55
[3] Chrysostom: Homilies on First Corinthians: Homily VII p. 36
[4] متى 1: 22 ؛ متى 2: 15 ؛ متى 13: 35 ؛ متى 21: 4
[5] متى 2: 17 ؛ متى 4: 14 ؛ متى 12: 17
[6] Henry A.Fischel. Rabbinic literature and Greco-Roman philosophy: LEIDEN E.J. BRIL 1973, p. 83
[7] النوطاريقون notariqon، أو مجازًا النطق، فهو كلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية nothrius وقد اختزلَها الكاتبُ.
[8] ENCYCLOPAEDIA JUDAICA, Second Edition, Vol. 15, p. 315
[9] Hebrew New Testament (Dalman-Delitzsch) Published in 1892, Mathew 2: 23
[10] PHILIP SCHAFF, D.D., LL.D., NPNF ,VOL. VI , Jerome: The Letters of St. Jerome: To Pammachius on the Best Method of Translating pp. 115 , 116
[11] إشعياء 11: 1
[12] Biblia Hebraica Stuttgartensia Publication Statement: Date 1987-02-07 Oxford Text Archive ISAIA 11: 1
[13] إشعياء 14: 19
[14] إشعياء 60: 21
[15] دانيال 11: 7
[16] إشعياء 27: 3
[17] مزمور 119: 2
[18] The Cambridge Bible for Schools and Colleges, Published in 1882-1921 MATEW 2: 23
[19] زكريا 3: 8
[20] زكريا 6: 12
[21] James Strong and John McClintock; Haper and Brothers; The Cyclopedia of Biblical, Theological, and Ecclesiastical Literature. NY; 1880. Notaricon; G. Klein, Bilddrag till Israels Religionshistoria, Stockholma, 1898, p. 11.;
ريستو سانتلا Risto Santala: "المسيا في العهد القديم" (هليوبوليس، كي ميديا Key Media، ط1، 2004) ص 34
[22] Ibidem
[23] Rasimus, T. (2011). "Revisiting the Ichthys: A Suggestion Concerning the Origins of Christological Fish Symbolism". PP. 327-348
[24] Christian H. Bull, Liv Ingeborg Lied, John D. Turner. Mystery and Secrecy in the Nag Hammadi Collection and Other Ancient Literature:. Leiden, The Netherlands: Koninklijke Brill, 2012, p. 327
[25] المدراش: مجموعة من التعليقات القديمة على كل أجزاء التناخ. مدراش رباه هو المدراش على المراثي، أي التعليق على مراثي إرميا. وهو واحد من أقدم الأعمال المدراش.
[26] كلمة عبرية تعني سيد أو معلم.
[27] دانيال 2: 22
[28] The Messiah Texts: Jewish Legends of Three Thousand Years-Raphael Patai Wayne State University Jul 1, 2015, p. 22; Lam.Rab.1:51, p. 36, ad Lam.1:16
[29] زكريا 6: 12
[30] التلمود البابلي مؤلف من وثائق كُتبت في العصور القديمة المتأخرة (من القرن الثالث إلى القرن السادس)
[31] الجمارا הַגְּמָרָא تعني التكملة أو التتممة، يتكون التلمود من مكونين أساسيين الأول هو المشناه والثاني هو الجـِمارا.
[32] The William Davidson. The Babylonian Talmud with parallel translations: Pesachim 5a: 14
[33] Brown-Driver-Briggs' Hebrew Definitions, Published in 1906 NO.: H3091
Joshua or Jehoshua = “Jehovah is salvation
التسميات
مقالات