رمزية الحية في الفن القبطي

 أعدها: بيشوي بخيت عبدالنور

 


كان الخوف والرعب هما العاملان اللذان دفعا المصريين إلى تقديس كائنات مخيفة مثل الحية، فَقدِست الحية على مر العصور، وأحيانًا كانت رمزًا للشر. والفنان القبطي استوحى أشكاله من الرموز المحلية، مع تأثره الروحي بالدين الذي يعتنقه. في مصر القديمة قدست الحية في شكلين:

  • أولًا في الخير: ترمز الحية كحامي للإله رع Ra (الشمس) ورفيقه، ويزين أعلى الستائر الجدارية بمعبد إسنا Esna صف من حية الكوبرا المقدسة حاملة قرص الشمس. ([1]) ورمزت الحية للإله أمون Amun في أحد شكليه الرئيسين وكان اسمها (كِم – آتف) Kematef أي (ذلك الذي أكمل زمانه) الذي انتقل ليرتاح في العالم الأسفل ليكون مع آلهة ذلك العالم قوة لا يستهان بها، فهم الذين يدفعون الشمس إلى الشروق وهم الذين يدفعون النيل إلى الفيضان ([2])، وارتبط عند بعض الملوك اسمهم باسم الحية "فو" وأشهرهم خوفو Khufu، وكانت تظهر الحية ممثلة على جباه الملوك كحامية للملك من أعدائه. ([3]) ورمزت الحية للإله آش Ash الذي يهب الملك كل الخيرات. ([4]) وللإلهة مرت سكر Mertseger وهي إلهة الموتى في مقبرة طيبة بالبر الغربي. ([5]) ورمزت الحية إلى الخلق والوجود الأبدي وذلك من خلال الإله أتوم Atum الذي توقع تدمير العالم، وعودته إلى شكل حية تبقى على قيد الحياة عندما يتم تدمير كل شيء في نهاية الزمان، ([6]) وفي كتاب الموتى قيل أن التحول إلى الحية عند الموت يعطي حياة جديدة لـلمتوفي. ([7])
  • ثانيًا في الشر: تمثل الحية أبوفيس Apophis عدو الشمس في رحلته المسائية، ولكن الإله الشمس Ra تظهر وتنتصر عليه في كل مرة، فتسيل دماء أبوفيس، ولذلك تصطبغ السماء باللون الأحمر صباحًا ومساءً. ([8])

والحية في بلاد ما بين النهريين ترمز للإله نينجيزيدا Ningizzida الذي له القدرة على الخصوبة والنمو، والذي يحمي الحياة من خلال تعويذته السحرية ويمكنه التصدي للموت، والشفاء من المرض. وفي قصة جيلجاميش Gilgamesh الذي وجد نبات سحري يوهب الحياة ويجدد شباب الإنسان، انتزعت حية شريرة هذا النبات بعيدًا، مما نهى أمل جيلجاميش في الحياة الأبدية، ويتضح أن الحية تستفيد من حيازتها لهذا النبات في أنها تتخلص من جلدها القديم وتتمتع بالتجديد. ويخبرنا التقليد الفارسي أيضًا عن نبتة خاصة تمنح الخلود، لكن أهريمان Ahriman الخصم الشرير لـ "الرب الحكيم" أهورا مازدا Ahura Mazda، خلق حيةً لتدمير النبات. وفي ملحمة الخلق البابلية The Enuma Elish حاولت الحيات بقيادة تيامات Tiamat أن تنشر الفوضى لكن استطاع مردوخ Marduk الإله البطل ان يقتلها وينهي الفوضى. ([9])

وعند الفينيقيين واليونانيين شكلت الحية رمزًا للطب، حيث كان حكيم إغريقي يعالج المرضى بلمسة من يده أو عصاه أو بلمسة من لسان الحية، وظهر إله الطب "إسكليبيوس" Asclepius في القرن السابع قبل الميلاد ممثلًا برجل يحمل عصا في يده اليمنى (شعار المسافر الذي لا يقر له قرار)، تلتف عليها حية (دليل المعرفة). ([10]) كذلك عند الفينيقيين الإله اشمون صيدا Eshmun of Sidon ظهر كإله للطب يستخدم الأعشاب ومضادات السموم والسحر للشفاء. ([11]) كانت الحية هي السبب في موت يورديكي Yordiki، ونزل أورفيوس Orpheus بسبب هذا الموت إلى عالم الموتى ولكنه لم يستطع الانتصار. ([12])

وكثيرًا ما لجأ الفنان القبطي بوضع الحية في الرسوم القديمة تحت الصليب للدلالة على القوى الشريرة التي سببت هلاك الإنسان، وقد انتصر عليها السيد المسيح. ([13]) ويمكن القول أن صورة السيد المسيح منتصرًا على الحية الموجودة في السراديب كرموز، مشابهة كثيرًا لصورة حورس Horus الفارس العظيم منتصرًا على التنين أو التمساح. ([14]) وأيضًا يمكن ربط المسيح المنتصر على الحية بينه وبين أبو بللو Apollo في الأسطورة اليونانية الذي قضى على الشر المتمثل في الحية، والسيد المسيح جاء ليسحق رأس الحية ([15])
أحيانًا يتم وضع الحية كرمز للْخَطِيَّة، حول العالم للإشارة إلى قوة الْخَطِيَّة على العالم بأسره. في بعض الصور الرمزية للصلب، يرقد الثعبان ميتًا عند قدم الصليب، أو إذا كان على قيد الحياة، ينظر عاجزًا إلى آدم الثاني (السيد المسيح) وعلى شجرة الخلاص (الصليب) ([16]) وترمز الحية إلى الطبع الماكر الذي يوقع الإنسان في الْخَطِيَّة وترمز إلى الشيطان ([17])، لذلك يشاهد كثير من الرسوم والنقوش القبطية لقديسين وفرسان وهم يقتلون الحية، ([18]) ويتم نحت الحية على عصاة الأب البطريرك، وترمز هنا إلى الحية النحاسية التي صنعها موسى النبي والتي كان يشفى كل مريض بالنظر إليها وهي إشارة رمزية إلى صليب السيد المسيح ([19]) وتوجد الحية في بعض الأثار القبطية منحوتة بأجنحة وأرجل وهي ترمز للحية قبل الْخَطِيَّة، أو بدون أجنحة رمزًا للحية بعد الْخَطِيَّة. ([20]) وفي كنيسة السيدة العذراء بحارة الروم أمام الهيكل الأوسط في صحن الكنيسة صليب خشبي كبير، ويحيط بالصليب نسران (رمزًا للسيد المسيح) يرفرفان بأجنحتهما فوق ثعبانين يولولان (رمزًا للشيطان) ([21])
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] عزت زكي حامد: "آثار مصر في العصرين اليوناني والروماني" (الإسكندرية، كلية الآداب - جامعة الإسكندرية، 2000م) ص235
[2] عباس علي عباس: "مجتمع الآلهة في الديانة المصرية القديمة (دراسة مقارنة)" (عمان، دار نيبور للنشر، ط1، 2001م) ص262
[3] المرجع السابق، ص58
[4] علي فهيم خشيم: "آلهة مصر العربية" ج1 (مصراته، 1990م) ص 295
[5] عباس علي عباس: مرجع سبق ذكره، ص 261
[6] Andrew C. Skinner, Serpent Symbols and Salvation in the Ancient Near East and the Book of Mormon, Journal of Book of Mormon Studies, Brigham Young University, 2001, P. 44
[7] Ibidem
[8] سامي سعيد الأحمد: "الأصول الأولى لأفكار الشر والشيطان" (بغداد، د. ت.) ص 25
[9] Andrew C. Skinner, op. cit. 2001, p. 47
[10] شاديه توفيق حافظ: "السريان وتاريخ الطب" (القاهرة، نهضة مصر للطباعة والنشر، 1993م) ص 13
[11] Andrew C. Skinner, op. cit. 2001, P47
[12] جمال هرمينا: "مدخل لتأريخ الفن القبطي" (القاهرة، ط1، د. ت.) ص 74
[13] نشوى نعيم صادق: "الدلالات والمعاني المرتبطة باستخدام الرمز واستعارة الشكل الخيالي في الفن القبطي" (المنصورة، مجلة بحوث التربية النوعية - جامعة المنصورة، 2012م) ص 660
[14] صموئيل السرياني: "الفن القبطي والتأثيرات الفرعونية" (القاهرة، د. ت.) ص 40
[15] جمال هرمينا: مرجع سبق ذكره، ص 79
[16] Clara Erskine Clement, A Handbook Of Christian Symbols, Boston Company, 2th edition, 1886, P. 5
[17] جلال أحمد أبوبكر: "الفنون القبطية" (القاهرة، ط1، 2011) ص99؛ "وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلهُ" (تكوين 3: 1)؛ "بِنَفْخَتِهِ السَّمَاوَاتُ مُسْفِرَةٌ وَيَدَاهُ أَبْدَأَتَا الْحَيَّةَ الْهَارِبَةَ" (أيوب 26: 13)؛ "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يُعَاقِبُ الرَّبُّ بِسَيْفِهِ الْقَاسِي الْعَظِيمِ الشَّدِيدِ لَوِيَاثَانَ، الْحَيَّةَ الْهَارِبَةَ. لَوِيَاثَانَ الْحَيَّةَ الْمُتَحَوِّيَةَ، وَيَقْتُلُ التِّنِّينَ الَّذِي فِي الْبَحْرِ" (إشعياء 27: 1)؛ "وَلكِنَّنِي أَخَافُ أَنَّهُ كَمَا خَدَعَتِ الْحَيَّةُ حَوَّاءَ بِمَكْرِهَا، هكَذَا تُفْسَدُ أَذْهَانُكُمْ عَنِ الْبَسَاطَةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ" (كورنثوس الثانية 11: 3)؛ "فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ، الَّذِي يُضِلُّ الْعَالَمَ كُلَّهُ، طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ" (رؤيا يوحنا اللاهوتي 12: 9)؛ "وَرَأَيْتُ مَلاَكًا نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ مَعَهُ مِفْتَاحُ الْهَاوِيَةِ، وَسِلْسِلَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى يَدِهِ. فَقَبَضَ عَلَى التِّنِّينِ، الْحَيَّةِ الْقَدِيمَةِ، الَّذِي هُوَ إِبْلِيسُ وَالشَّيْطَانُ، وَقَيَّدَهُ أَلْفَ سَنَةٍ" (رؤيا يوحنا اللاهوتي 20: 1، 2)
[18] حسن عبدالعزيز الفار: "الرمز في الفن القبطي وأثره في رفع المستوى الفني لتصميم الأقمشة المطبوعة" (مجلة بحوث في الفنون، المجلد الثالث عشر، العدد الرابع، أكتوبر 2001) ص 133
[19] جمال هرمينا، مرجع سبق ذكره، ص 141؛ "فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اصْنَعْ لَكَ حَيَّةً مُحْرِقَةً وَضَعْهَا عَلَى رَايَةٍ، فَكُلُّ مَنْ لُدِغَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا يَحْيَا. فَصَنَعَ مُوسَى حَيَّةً مِنْ نُحَاسٍ وَوَضَعَهَا عَلَى الرَّايَةِ، فَكَانَ مَتَى لَدَغَتْ حَيَّةٌ إِنْسَانًا وَنَظَرَ إِلَى حَيَّةِ النُّحَاسِ يَحْيَا" (عدد21: 8، 9)؛ "وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. أَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يوحنا 3: 14-16)
[20] جمال هرمينا: "كنيسة العذراء والقديس أبانوب بسمنود" موسوعة من تراث القبط، المجلد الثالث: الأثار والفنون والعمارة القبطية( القاهرة، دار القديس يوحنا الحبيب للنشر، ط1، 2004م) ص 187
[21] حشمت مسيحة: "كنيسة القديسة العذراء مريم المعروفة باسم المغيثة بحارة الروم بالغورية بالقاهرة" موسوعة من تراث القبط، المجلد الثالث: الأثار والفنون والعمارة القبطية (القاهرة، دار القديس يوحنا الحبيب للنشر، ط1، 2004م) ص 110
أحدث أقدم

نموذج الاتصال