المطهر Purgatorium

  أعدها: بيتر زكريا ناشد


 - يُعرف المطهر بأنه: مكان تُعاني فيه النفوس التي تغادر هذه الحياة في نعمة الله لبعض الوقت لأنها لا تزال بحاجةٍ إلى التطهير من الْخَطِيَّة العرضية، أو لا يزال يتعين عليهم سداد العقوبة الزمنية بسبب الخطايا المميتة، الذنب والعقاب الأبدي الذي قد تم غفرانه. ([1])



- كما يُعرف أيضًا بأنه: حالة من التطهير النهائي بعد الموت وقبل الدخول إلى السماء لأولئك الذين ماتوا في صداقة الله، لكنهم لم يتطهروا إلا بشكل غير كامل ؛ تطهيرًا نهائيًا، لنقص الإنسان، قبل أن يتمكن الإنسان من دخول فرح السماء. ([2])

- وقد وضعت أسس التعليم بالمطهر في مجمع فلورنسا Council of Florence (1431: 1449م) الذي قرر أنه:

[إذا كان الذين يتوبون توبةً صحيحةً يموتون في محبة الله قبل التكفير عن خطاياهم التي اقترفوها بالفعل أو بالإهمال بثمارٍ جديرةٍ بتوبتهم، فإن نفوسهم تتطهر بعد موتهم بآلامٍ تطهيريـةٍ، ولكي يتخلصوا من مثل هذه الآلام تفييدهم معونات المؤمنين الأحياء من قداساتٍ وصلواتٍ وصدقاتٍ وأعمال تقوى أخرى يقوم بها عادةً المؤمنون من أجل مؤمنين آخرين بحسب قرارات الكنيسة، وتقوى الذين بعد تقبلهم المعمودية لم يتلطخوا قط بالْخَطِيَّة، وكذلك نفوس الذين بعد تلطخهم بالْخَطِيَّة سواء كانوا في أجسادهم أو تعروا منها تطهروا على ما سبق القول، هذه النفوس تُقبل حالًا في السماء وتُشاهد الله الثالوث والواحد في ذاته كما هو مشاهدةً واضحةً ولكن على درجاتٍ وفق استحقاق كل منها]. ([3])

 ثم جاء مجمع ترنت Council of Trent (1545: 1563م) وقرر أنه:

[حيث أن الكنيسة الكاثوليكية بتوجيهٍ من الروح القدس علمت من الكتب المقدسة والتقاليد القديمة للآباء، في المجامع المقدسة وأخيرًا في هذا المجمع المسكوني أن هناك مطهرًا، وأن الأرواح المحتجزة فيه تجد عونًا لها من خلال صلوات المؤمنين ولا سيما بشكل أساسي من خلال ذبيحة المذبح المقبولة؛ يأمر المجمع المقدس الأساقفة بالسعي الدؤوب من أجل العقيدة السليمة المتعلقة بالمطهر التي نقلها الآباء القديسون والمجامع المقدسة، أنه يجب الإيمان بها والحفاظ عليها وتعليمها وفي كل مكانٍ يعلنها المؤمنين بالمسيح. لكن لندع الأسئلة الأكثر صعوبةٍ ودقةٍ - والتي لا تميل إلى البناء والتي لا يوجد في معظمها زيادةٍ في التقوى- تُستبعد من الخطابات الشعبية أمام الجمهور غير المتعلم. بطريقةٍ مماثلةٍ – مثل الأشياء غير المؤكدة - أو التي تعمل تحت مظهر الخطأ، يُمنع أن تُنشر أو يتم التعامل معها. في حين أن تلك الأشياء التي تميل إلى نوعٍ معينٍ من الفضول والخرافات أو يُشتم منها رائحة الربح القذر فلتُمنع باعتبارها فضائح وعثرات للمؤمنين. ولكن ليهتم الأساقفة بأن صلاة المؤمنين الأحياء؛ تقديم ذبائح القداسات، الصلوات، الصدقات، وأعمال التقوى الأخرى التي أعتاد المؤمنون على تأديتها من أجل المؤمنين الآخرين الراحلين فلتُمارس بتقوى وإخلاصٍ وفقًا لتعيين الكنيسة؛ وأن كل ما هو مستحق نيابةً عنهم من أوقاف الموصيين أو بطريقةٍ أخرى يتم أرسالها ليس بطريقةٍ روتينيةٍ ولكن بجدٍ ودقةٍ من قبل الكهنة وخدام الكنيسة الآخرين الملتزمين بتقديم هذه الخدمة]. ([4])

 كما يقرر مجمع ترنت أيضًا أنه:

[أذا قال أي شخص أنه بعد نوال نعمة التبرير يتم التخلي عن الذنب لكل خاطئ تائب ويتم محو دين العقوبة الأبدية بهذه الطريقة بحيث لا يوجد أي دين من العقوبة الزمنية ليتم سداده سواء في هذا العالم أو في الآتي في المطهر قبل أن يُفتح مدخل ملكوت السماوات: فليكن محرومًا]. ([5])

والمطهر في الفكر الكاثوليكي هو نار:

حيث تُطهر أرواح البشر الأبرار بعقوبةٍ مؤقتةٍ حتى يتم قبولهم في وطنهم الأبدي الذي لا يدخله أي شيء نجس. ([6])

وعن شدة نار المطهر وقوتها يعلن معلمو الكنيسة - الكاثوليكية- أنها شديدةٍ مثل نار الجحيم مع اختلاف أن لها نهايةٍ. ([7])

ونار المطهر هذه يطلب المؤمنون في الكنيسة الكاثوليكية ألا يحكم علينا ألا نقاسي نار المطهر، التي نطلب بورعٍ وبـإخلاصٍ تحرير الآخرين منها. ([8])

بجانب آلام نار المطهر المعادلة لآلام نار الجحيم تُعاني النفوس الموجودة في المطهر من آلام الحرمان أو الخسران حيث أن قديسي ومعلمي كنيسة الله - الكاثوليك - يتفقون بالإجماع على أن أكثر الآلام الفادحة في الـمـطـهـر هـو الـحـرمـان - لـبـعـض الـوقت - مـن الـرؤيـة الـمباركة والـطـرح جـانبًا والـطرد بـاعتبار أن الشخص غير مستحق للتأمل في شمس الألوهة الساطعة. ألم الخسران هذا - كما يُسمونه - هو ألم الآلام. إنه أعمق حفرة في المطهر وكيره- مثل كير الفحم عند الحداد- التي تنفخ الفحم هناك. ([9])

- أما فيما يتعلق بمدة بقاء النفوس في المطهر فإننا نجد أن:

القاعدة الأساسية هي أن مدة عقاب النفوس في المطهر هي مدة مؤقتة، وفقًا لأن العقوبة التي يعاقب بها في المطهر هي مؤقتة. ([10])

ولكن هذه المدة المؤقتة غير معروف مداها الزمني لذلك فإنه بالنسبة لطول عملية تطهير نفوس الأفراد، فلا يمكن أن يُقال شيء من حيث السنوات (المدة)، بالنسبة لنفوس الأفراد فإن النار المُطهرة تستمر حتى تتحرر من كل ذنب ومن كل عقاب. ([11])

- وللـحـبر الـروماني (بابا روما) سـلـطـان على المطهر وله أن يمنح النفوس التي فيه غفرانات، وتـم تـقـريـر ذلك في الـمـرسـوم المعروف باسم Cum Postquam بـتـاريخ 9 نوفمبر 1518م الـمرسل إلى الكاردينال كايتان Cajetan مـوفد البابا الروماني ([12]) الذي أوكـل إلـيـه مـهـمـة أقـنـاع مـارتـن لـوثـر بـالرجوع عن آرائه، وقد جاء في هذا المرسوم:

[إن الـحـبر الـرومـاني خـلـيـفـة بـطـرس الـذي سـلـمـت لـه سـلـطـة الـمـفـاتيـح ونـائب الـمـسـيـح يـسـوع على الأرض بـقـوة سـلـطة المفاتيح التي تفتح ملكوت السموات بنزعها ما يحول دون ذلك في المؤمنين أعني الْخَطِيَّة وعقوبة الخطايا الفعلية: الْخَطِيَّة بسر التوبة والعقوبة الزمنية على حسب العدالة الإلهية بغفران الكنيسة، فالحبر الروماني يستطيع لأسباب سديدة أن يمنح هؤلاء المؤمنين أعضاء المسيح برابط المحبة في هذه الحياة أو في المطهر، غـفـرانـات مـسـتـمـدة مـن فـيـض اسـتـحـقـاقـات الـمـسيح والقديسين، فعندما يمنح بسلطته الرسولية الغفران للأحـيـاء والأمـوات يـوزع - على عـادته - كـنز اسـتـحـقـاقـات يـسـوع الـمـسـيـح والـقـديـسـين جـاعلًا الغفران بالحِل (الاعتراف) أو على سـبـيـل التوسل، ولهذا فجميع الذين نالوا هذا الغفران سواء كانوا أحياءً أو أمواتًا قد تحرروا مـن الـعـقـوبة الـزمـنـيـة الـنـاجـمـة بـمـوجـب الـعـدل الإلـهي عـن خـطـايـاهـم الـحـالـيـة بـقدر الـغـفـران الممنوح أو المكتسب] ([13])

 

 للرد على ذلك:

1. التعليم الكتابي لا ينادي بفكرة المطهر كما تؤمن وتعلم بها الكنيسة الكاثوليكية فعلى سبيل المثال:

أ. إن نعمة التبرير التي ينالها المؤمن في سر التوبة والاعتراف لا تجعل المؤمن مديونًا بدين العقوبة الأبدية أو الزمنية إنما ما يناله المؤمن في هذا السر هو تبرير كامل وغفران للْخَطِيَّة ومسامحة فلا يبقى لها أثرًا:

- "أَعْتَرِفُ لَكَ بِخَطِيَّتِي وَلاَ أَكْتُمُ إِثْمِي. قُلْتُ: أَعْتَرِفُ لِلرَّبِّ بِذَنْبِي وَأَنْتَ رَفَعْتَ أَثَامَ خَطِيَّتِي" ([14])

- "قَدْ مَحَوْتُ كَغَيْمٍ ذُنُوبَكَ وَكَسَحَابَةٍ خَطَايَاكَ. اِرْجِعْ إلى لأَنِّي فَدَيْتُكَ" ([15])

- "فَإِذَا رَجَعَ الشِّرِّيرُ عَنْ جَمِيعِ خَطَايَاهُ الَّتِي فَعَلَهَا وَحَفِظَ كُلَّ فَرَائِضِي وَفَعَلَ حَقًّا وَعَدْلًا فَحَيَاةً يَحْيَا. لاَ يَمُوتُ. كُلُّ مَعَاصِيهِ الَّتِي فَعَلَهَا لاَ تُذْكَرُ عَلَيْهِ. فِي بِرِّهِ الَّذِي عَمِلَ يَحْيَا" ([16])

- "إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حتى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ" ([17])

ب. لم يتحدث الكتاب المقدس عن مكان أو حالة تتعرض فيها نفوس المؤمنين إلى عذابات مُطهرة، إنما تحدث عن مكان انْتِظار للأبرار ومكان انْتِظار للأشرار ثم مكانين لمصير الإنسان بعد مجيء السيد المسيح الثاني ليدين العالم وعليه فلا يوجد بعد الموت أي مجال أو فرصة لتغيير ما صنعه الإنسان وقبل أن يحيا فيه:-

- "فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ" ([18])

- "أَعْرِفُ إِنْسَانًا فِي الْمَسِيحِ قَبْلَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً. أَفِي الْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ، أَمْ خَارِجَ الْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. اللهُ يَعْلَمُ. أخْتُطِفَ هذَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ. وَأَعْرِفُ هذَا الإِنْسَانَ: أَفِي الْجَسَدِ أَمْ خَارِجَ الْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. اللهُ يَعْلَمُ. أَنَّهُ أخْتُطِفَ إِلَى الْفِرْدَوْسِ، وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا، وَلاَ يَسُوغُ لإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا" ([19])

- "مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ الَّتِي فِي وَسَطِ فِرْدَوْسِ اللهِ" ([20])

- "وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ على أَخِيهِ بَاطِلًا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ" ([21])

- "كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ وَكَانَ يَلْبَسُ الأَرْجُوانَ وَالْبَزَّ وَهُوَ يَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ مُتَرَفِّهًا. وَكَانَ مِسْكِينٌ اسْمُهُ لِعَازَرُ، الَّذِي طُرِحَ عِنْدَ بَابِهِ مَضْرُوبًا بِالْقُرُوحِ، وَيَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الْفُتَاتِ السَّاقِطِ مِنْ مَائِدَةِ الْغَنِيِّ، بَلْ كَانَتِ الْكِلاَبُ تَأْتِي وَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ. فَمَاتَ الْمِسْكِينُ وَحَمَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ إلى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَمَاتَ الْغَنِيُّ أَيْضًا وَدُفِنَ، فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي الجَحِيمِ وَهُوَ فِي الْعَذَابِ، وَرَأَي إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلِعَازَرَ فِي حِضْنِهِ، فَنَادَي وَقَالَ: يَا أَبِي إِبْرَاهِيمَ، ارْحَمْنِي، وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبِعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي، لأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هذَا اللَّهِيبِ. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَـا ابْـنِي، أذْكُـرْ أَنَّـكَ اسْـتَـوْفَـيْـتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ، وَكَذلِكَ لِعَازَرُ الْبَلاَيَا. وَالآنَ هُوَ يَتَعَزَّى وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ. وَفَوْقَ هـذَا كُـلـِّهِ، بَيـنـَنَـا وَبَيْنَكُمْ هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ قَدْ أُثْبِتَتْ، حتى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْعُبُورَ مِنْ ههُنَا إِلَيْكُمْ لاَ يَقْدِرُونَ، وَلاَ الَّـذِينَ مِـنْ هُـنَـاكَ يَـجْـتَـازُونَ إِلَـيْـنَـا. فَقَالَ: أَسْأَلُكَ إِذًا، يَا أَبَتِ، أَنْ تُرْسِلَهُ إلى بَيْتِ أَبِي، لأَنَّ لِي خَمْسَةَ إِخْوَةٍ، حتى يَـشْـهَـدَ لَـهُـمْ لِـكـيْـلاَ يَأْتُوا هُمْ أَيْضًا إلى مَوْضِعِ الْعَذَابِ هذَا. قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: عِنْدَهُمْ مُوسَي وَالأَنْبِيَاءُ، لِيَسْمَعُوا مِنـْهـمْ. فَقَالَ: لاَ، يَا أَبِي إِبْرَاهِيمَ، بَلْ إِذَا مَضَي إِلَيْهِمْ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يَتُوبُونَ. فَقَالَ لَهُ: إِنْ كَانُوا لاَ يَسْمَعُونَ مِنْ مُوسَي وَالأَنْبِيَاءِ، وَلاَ إِنْ قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يُصَدِّقُونَ" ([22])

- "وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ على كُـرْسِيِّ مَـجْـدِهِ. وَيَـجْـتَـمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ، فَـيُـقِـيـمُ الْـخِـرَافَ عَـنْ يَـمِـيـنِهِ وَالْجِدَاءَ عَـنِ الْـيَـسَارِ. ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْـمَـلَـكُـوتَ الْـمُـعَـدَّ لَـكُـمْ مُـنـْذُ تَـأْسِـيـسِ الْـعَـالَمِ. لأَنِّي جُـعْـتُ فَـأَطْعَمْتُمُونِي. عَـطِـشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُـنْـتُ غَـرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَي رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَي رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَي رَأَيْنَاكَ مَـرِيضًا أَوْ مَـحْـبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ فَيُجِيبُ الْمَلِكُ وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هـؤُلاَءِ الأَصَـاغِـرِ، فَـبِي فَعَلْتُمْ. ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إلى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْـلـيسَ وَمَـلاَئِـكَـتِـهِ، لأَنِّي جُـعْـتُ فَـلَمْ تُـطْـعِـمُـونِي. عَـطِـشْـتُ فَلَمْ تَسْقُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَانًا فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِي. حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضًا قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا أَوْ عَطْشَانًا أَوْ غَرِيبًا أَوْ عُرْيَانًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟ فَيُجِيبُهُمْ قِائِلًا: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا. فَيَمْضِي هؤُلاَءِ إلى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إلى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ" ([23])

- "حِينَئِذٍ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ عَشْرَ عَذَارَى، أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَخَرَجْنَ لِلِقَاءِ الْعَرِيسِ. وَكَانَ خَمْسٌ مِنْهُنَّ حَكِيمَاتٍ، وَخَمْسٌ جَاهِلاَتٍ. أَمَّا الْجَاهِلاَتُ فَأَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَلَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتًا، وَأَمَّا الْحَكِيمَاتُ فَأَخَذْنَ زَيْتًا فِي آنِيَتِهِنَّ مَعَ مَصَابِيحِهِنَّ. وَفِيمَا أَبْطَأَ الْعَرِيسُ نَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ وَنِمْنَ. فَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ صَارَ صُرَاخٌ: هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ، فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ! فَقَامَتْ جَمِيعُ أُولئِكَ الْعَذَارَى وَأَصْلَحْنَ مَصَابِيحَهُنَّ. فَقَالَتِ الْجَاهِلاَتُ لِلْحَكِيمَاتِ: أَعْطِينَنَا مِنْ زَيْتِكُنَّ فَإِنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئُ. فَأَجَابَتِ الْحَكِيمَاتُ قَائِلاتٍ: لَعَلَّهُ لاَ يَكْفِي لَنَا وَلَكُنَّ، بَلِ اذْهَبْنَ إلى الْبَاعَةِ وَابْتَعْنَ لَكُنَّ. وَفِيمَا هُنَّ ذَاهِبَاتٌ لِيَبْتَعْنَ جَاءَ الْعَرِيسُ، وَالْمُسْتَعِدَّاتُ دَخَلْنَ مَعَهُ إلى الْعُرْسِ، وَأُغْلِقَ الْبَابُ. أَخِيرًا جَاءَتْ بَقِيَّةُ الْعَذَارَى أَيْضًا قَائِلاَتٍ: يَا سَيِّدُ، يَا سَيِّدُ، افْتَحْ لَنَا! فَأَجَابَ وَقَالَ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ: إِنِّي مَا أَعْرِفُكُنَّ. فَاسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلاَ السَّاعَةَ الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ" ([24])

ج- لم يتحدث الكتاب المقدس عن امتداد سلطان الحِل والربط إلى النفوس التي انتقلت، إنما سلطان الحِل والربط يعمل على من هم أحياء على الأرض، والحِل الذي يناله المنتقلون في صلوات تجنيزهم إنما ينالوه عما ارتكبوه وهم على الأرض من خطايا، هذا علاوةً على أن طلب الكنيسة من أجل المنتقلين سواء في صلوات تجنيزهم أو في القداسات التي تقام من أجلهم فإنها تدخل في مجال الطلب والتوسل من أجلهم أن يكونوا في مكان الأبرار لا في مكان الأشرار:-

- "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ على الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ على الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ" ([25])

- "وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَي عَلَيْهَا. وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ على الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ على الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاوَاتِ" ([26])

- "لِيُعْطِ الرَّبُّ رَحْمَةً لِبَيْتِ أُنِيسِيفُورُسَ، لأَنَّهُ مِرَارًا كَثِيرَةً أَرَاحَنِي وَلَمْ يَخْجَلْ بِسِلْسِلَتِي، بَلْ لَمَّا كَانَ فِي رُومِيَةَ، طَلَبَنِي بِأَوْفَرِ اجْتِهَادٍ فَوَجَدَنِي. لِيُعْطِهِ الرَّبُّ أَنْ يَجِدَ رَحْمَةً مِنَ الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ"([27])

 

2. التعليم الآبائي لا ينادي بفكرة المطهر كما تؤمن وتعلم بها الكنيسة الكاثوليكية فعلى سبيل المثال:-

أ- إن نعمة التبرير التي ينالها المؤمن في سر التوبة والاعتراف لا تجعل المؤمن مديونًا بدين العقوبة الأبدية أو الزمنية أنما ما يناله المؤمن في هذا السر هو تبرير كامل وغفران للْخَطِيَّة ومسامحة فلا يبقي لها أثرًا :-

- يقول القديس كبريانوس القرطاجي Cyprianus of Carthage (استشهد 258م): [فـالـرب يـمـكـنـه أن يـمـنـح رحـمـتـه ويحيد عن حكمه. وأن يغفر لمن يتوب ويتضرع ويعمل أعمالًا صالحةً، والـذي أرضى الله هـكـذا بـتـوبتـه، وبـالـخـزي مـن خـطيته أدرك المزيد من الـفـضـيـلـة والإيـمـان يـسـتـجـيب الله لـه ويـعـيـنـه، وحـيـنـئـذ لـن يستحق فقط غفران الله وحسب بل إكليله أيضًا]. ([28])

- يتحدث القديس أمبروسيوس أسقف ميلان Ambrose of Milan (تنيح 397م) عن أثر غفران الله للْخَطِيَّة بسبب التوبة فيقول: [وهـو الـذي دعـاكـم بـالـنـبي قـائـلًا: "أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا، ولكن أنت تذكرها دعنا نتحاكم معًا"، ([29]) وهو يقول: "لا أذكرها ولكن أنت تذكرها"، أي لن أذكر الخطايا التي غفرتها لك وكأنها مغطاه بواسطة النسيان، ولكن أنت تذكرها، أنا لن أذكرها بسبب نعمتي وأنت تذكرها لتصلح طرقك، تذكرها لكي تعرف أن الْخَطِيَّة غفرت ولا تفتخر كأنك لم تخطئ لكي لا تزيد خطيئتك]. ([30])

- يتحدث القديس كيرلس الإسكندري Cyril of Alexandria (376-444م) عن الأثر المباشر للتوبة وهو غفران الْخَطِيَّة ومحو الإدانات المستوجبة على الخاطئ: [الـرب هو مـسـرع تـجـاه الرحـمـة ويـخـلـص هـؤلاء الـذيـن يـتـوبـون يـخـلـصـهم مـبـاشـرةً مـن الإدانات الـقـديـمـة، وعـنـدمـا يـتـوقـفـون عـن الْخَطِيَّة يهجر غضبه ويصنع صلاحًا، ولأنه يراهم يتحركون تجاه الصلاح يتحرك أيضًا هو تجاه السكينة ويؤجل الدمار ويجعلهم مستحقين لرحمته] ([31])

ب. لم يتحدث الآباء عن مكان أو حالة تتعرض فيها نفوس المؤمنين إلى عذابات مُطهرة إنما تحدثوا عن مكان انْتِظار للأبرار ومكان انْتِظار للأشرار ثم مكانين لمصير الإنسان بعد مجيء السيد المسيح الثاني ليدين العالم، وعليه فلا يوجد بعد الموت أي مجال أو فرصة لتغيير ما صنعه الإنسان وقبل أن يحيا فيه:-

- القديس باسيليوس الكبير أسقف قيصرية الكبادوك Basil of Caesarea (330: 379م) يـتـحـدث عـن نصيب الأبرار والأشرار بعد الموت فيقول: [مـن بـين أمـجـاد القديسين "مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ" ([32]) في بـيـت الآب، هـذا هـو الاختلاف في الكرامات لأنه كما أن "نَجْمًا يَمْتَازُ عَنْ نَجْمٍ فِي الْمَجْدِ، هكَذَا أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ". ([33]) إذًا الـذيـن خـتـمـهـم الـروح إلى يـوم الـفـداء ويحفظون الثمار الأولى والنقية وغير المنقوصة التي حصلوا عليها من الروح هم الذين سيسمعون الكلمات "نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ".([34]) وبالمثل فإن أولـئـك الـذين أحـزنـوا الـروح الـقـدس بـسـبب شـر طـرقـهـم، أو لـم يـعـمـلـوا من أجل الذي أعطاهم (النعمة) سيحرمون مما تلقوه ونعمتهم تنتقل إلى الآخرين أو وفقًا لأحد الإنجيليين ([35]) سيتم قطعهم بالكامل. القطع الذي يعني الانفصال التام عن الروح]. ([36])

- القديس كيرلس الأورشليمي Cyril of Jerusalem (313: 386م) يتحدث عن نصيب الأبرار والأشرار بعد الموت فيقول [لأنه إذ قيل أن "الأشرار لا يقومون في الدين" ([37]) فهذا يُظهر أنهم سيقومون في يوم الدين لأن الله لا يحتاج إلى إمعان نظر طويل إليهم، بل بعد قيام الأشرار في الحال يذهبون إلى عقابهم. إذا قيل: "لَيْسَ الأَمْوَاتُ يُسَبِّحُونَ الرَّبَّ" ([38]) فهذا يُظهر أن هذه الحياة فقط هي الوقت المعين للندم والمغفرة. "الَّذِي يَنْزِلُ إِلَى الْهَاوِيَةِ لاَ يَصْعَدُ" ([39]) الذين يُسرون بهذه الحياة هم الذين سيسبحون الله. أما الذين ماتوا في الخطايا فلا يبقي لـهـم وقـت أن يـسـبـحـوا بـعـد الموت كالمتنعمين بالبركات إنما ينوحون على أنفسهم، لأن التسبيح لمن يشكر والنحيب لمن هو تحت العقاب. لذلك يـقوم الأتـقـياء بـالـتـسبيح أما الذين ماتوا في الخطايا فليس لهم وقت للاعتراف (الحمد) بعد ذلك]. ([40])

- القديس يوحنا ذهبي الفم John Chrysostom (تنيح407م) يتحدث أيضًا عن نصيب الأبرار والأشرار بعد الموت فيقول: ["اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ" ([41]) ليست من أجلكم لكن "لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ ". لأنه فيما يتعلق بالملكوت عندما قال: "تَعَالَوْا، رِثُوا الْمَلَكُوتَ"، أضاف: "الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ"([42])؛ ولكن فيما يتعلق بالنار لم يُعد لكم ذلك ولكن مُعَدة للشيطان وملائكته ولكن بما أنكم ألقيتم بأنفسكم فيها فأحسبوها على أنفسكم (أيضًا)] ([43])، ويقول أيضًا معلقًا على مثل العذارى الحكيمات والجاهلات ([44]): [ولم يتمكنوا (من الدخول) حتى عندما طرقوا (الباب) لكنهم سمعوا هذا القول المخيف "اذهبوا أنا لا أعرفكم" ([45])، وعندما قال هذا لم يبقى سوى الجحيم وهذا العقاب الذي لا يُطاق أو بِالأَحْرَى هذه الكلمة (التي هي) أخطر من الجحيم، هذه الكلمة تخاطب أيضًا أولئك الذين يعملون الإثم]. ([46])

- القديس أوغسطينوس أسقف هيبو Augustine of Hippo (354: 430م) يتحدث عن الزمن أو الوقت الذي يتوسط انتقال الإنسان من العالم والقيامة الأخيرة فيقول: [الوقت الذي يتوسط موت الإنسان والقيامة الأخيرة تبقى فيه النفوس في ملاجئ خفيةٍ، وعليه فكل فرد مستحق الراحة أو المشقة نظرًا لما استحقه عندما كان يحيا في الجسد. ولا يمكن إنكار أن أرواح الموتى تجد عزاءً من خلال تقوى أصدقائهم وأقاربهم الذين مازالوا على قيد الحياة، أو عند تقديم ذبيحة القداس من أجلهم، أو عند إعطاء الصدقات في الكنيسة]. ([47]) كما أنه في نص هام يوضح أن: [ليس كل من يُعاني من عقاب زمني بعد الموت محكوم عليه بالآلام الأبدية التي تلي الدينونة الأخيرة. لأنه - كما قلت- ما لا يُغفر له في هذه الحياة سيُصفح عنه في الحياة الآتية في حالة أولئك الذين لا يُعانون العقاب الأبدي]. ([48])

هنا القديس أوغسطينوس يوضح أنه ليس كل الذين تعرضوا لعقوبةٍ زمنيةٍ نتيجة خطية ما فإنهم بعد موتهم يُحكم عليهم بالآلام الأبدية في الدينونة الأخيرة لأن الذين ينتقلون وهم لم يتنقوا بالكامل أو أخطأوا أو لحقهم توانٍ أو تفريطٍ كبشر فإن ذلك سوف يُغفر لهم في الحياة الآتية.

ج- لم يتحدث الآباء عن امتداد سلطان الحِل والربط إلى النفوس التي انتقلت أنما سلطان الحِل والربط يعمل على من هم أحياء على الأرض والحل الذي يناله المنتقلين في صلوات تجنيزهم أنما ينالوه عما ارتكبوه وهم على الأرض من خطايا، هذا علاوةً على أن طلب الكنيسة من أجل المنتقلين سواء في صلوات تجنيزهم أو في القداسات التي تقام من أجلهم فإنها تدخل في مجال الطلب والتوسل من أجلهم أن يكونوا في مكان الأبرار لا في مكان الأشرار:

- القديس كبريانوس القرطاجي يقول: [كم هو عظيم إيمان هؤلاء المؤمنين الذين على الرغم من أنهم لم يُخطئوا ولم يُقدموا للأوثان، لكن لمجرد أنهم فكروا في هذه الأمور يعترفون بذلك بحزن وبساطة أمام كهنة الله طالبين العلاج حتى للجراحات مهما كانت بسيطة أو ضئيلة، أيها الأخوة أتوسل إليكم أن يعترف كل منكم بخطيته بينما لا يزال هنا في هذا العالم حيث هناك فرصة للتوبة حيث لا يزال الصفح والمغفرة من خلال الكاهن يكون مقبولًا لدى الله]. ([49])

- يقول مار أفراهاط Aphraates الحكيم السرياني (270: 346م): [مـن أصـيـب في الـحرب لا يـسـتـحي أن يسلم نفسه إلى يد طبيب حكيم لأنه غلب على أمره وأصيب. وحين يُشفى لا يرذله الملك بل يُعده ويحسبه مع جيشه. هكذا يجب ألا يستحي الإنسان الذي جرحه الشيطان من أن يعترف بجهالته ويبتعد عـنـهـا ويـطـلـب لنفسه دواء التوبة، وأنتم أيها الأطباء تلاميذ طبيبنا المجيد، يجب ألا تمتنعوا عن تقديم الدواء لمن يـحـتـاج إلـيه. من يُبين لكم جرحه فأعطوه دواء التوبة ومن يستحي أن يُبين مرضه فأنصحوه ألا يُخفيه عنكم، وعندما يُظهرها لكم لا تعلنوها خوفًا من أن يُحسب الأبرياء مذنبين من قبل الأعداء والخصوم] ([50])

- القديس باسيليوس الكبير يتـحـدث عـن تـعـلـق بإخـلاص الـتـائب أمام الأسقف لينال الحِل بواسطة سلطان الحِل والربط فيقول: [للأسـقـف سـلـطـان الحل والربط وله أن يخفض مدة التوبة أذا أقتنع بإخلاص التائب] ([51])

- القديس يوحنا ذهبي الفم يقول: [لإن الـذيـن يـسـكـنـون الأرض ويـقـيـمـون هـنـاك مؤتمنين على إدارة الأشياء الموجودة في السماء، وقد حصلوا على سلطة لم يمنحها الله للملائكة أو لـرؤسـاء الـمـلائكة. لأنه لم يُقال لهم: "كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ" ([52]) إن للذين يحكمون الأرض حقًا سلطان على أن يربطوا لكن الجسد فقط، في حين أن هذا الربط (الممنوح للكهنة) يُمسك بالروح ويخترق السماوات؛ وما يفعله الكهنة هنا في الأسفل (على الأرض) يُصادق عليه الله أعلاه (في السماء)، ويؤيد السيد حكم عبيده. لأنه حقًا ما هي كل أنواع السلطة السماوية التي أعطاهم إياها عندما قال: " مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ ([53])؟]. ([54])

- القديس جيروم Jerome (تنيح420م) يقول معلقًا على (إنجيل متى 16: 19): "وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاوَاتِ" ([55]) يتضح أن الحل أو الربط يكون للخطايا التي يسمعها من التائبين: [هنا أيضًا الكاهن أو الأسقف يحِل أو يربط، ليس أولئك الذين هم أبرياء أو مذنبين، ولكن من أجل منصبه. عندما يسمع أنواع الخطايا المختلفة، فهو يعرف من يجب أن يحل ومن يجب أن يربط]([56])

- القديس أوغسطينوس يقرر ذلك أيضًا فيقول: [هذا يأخذ مكانًا في قلب التائب: عندما تسمع أن رجلًا يندم على خطاياه، فإنه يكون قد عاد إلى الحياة بالفعل. عندما تسمعه من خلال الاعتراف يكشف ضميره، يكون قد خرج بالفعل من القبر، لكنه لم يُحل بعد. متى يُحـل وبـواسـطـة مـن يُـحل؟ يقول: "كُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاوَاتِ" ([57]) يمكن للكنيسة أن تمنح بحق مغفرة الخطايا: لكن الميت نـفـسـه لا يمكن أن يـوقـظ إلا بـنـداء الـرب فـيـه. لأن الله يـفـعـل هذا بداخله. نحن نتحدث في مسامعكم كيف نعرف ما يمكن أن يحدث في قلوبكم؟ لكن ما يحدث في الداخل ليس من عملنا بل هو عمله] ([58])

- القديس كيرلس الإسكندري يتحدث عن سلطان الحِل والربط الممنوح للكهنة فيقول: [بأي كيفية وبأي معنى أعطى المخلص لرسله الكرامة اللائقة بالله وحده؟ فهو الذي دبر أن الذين منحوا الروح القدس وهو الرب والله تصبح لهم القوة على أن يغفروا ويمسكوا الخطايا لأن الروح القدس الساكن فيهم هو الذي يغفر ويمسك حسب إرادته رغم أن العمل يتم بوسيلة بشرية، إنهم يغفرون الخطايا أو يُمسكونها عندما ينتهرون أبناء الكنيسة الذين يخطئون ويمنعون الصفح عمن لا يتوب كما فعل بولس عندما سلم الذي زنى في كورنثوس لهلاك الجسد لكي تخلص الروح ([59])، وبعد ذلك أعاده إلى الشركة لكي لا يُبتلع من فرط الحزن ([60])]. ([61])

- في خولاجي القديس سيرابيون أسقف تمويس Serapion of Thmuis (تنيح حوالي362م): [الله.. الذي يخلق روح الإنسان بداخله ويأخذ لنفسه أرواح القديسين ويمنحهم الراحة. أنت وحدك غير قابل للفساد، وغير قابل للتغيير أبـدًا، نـطـلـب منك نيح وأرح عبدك أو عبدتك هذه: أعطِ راحة لنفسه، وروحه، في الأماكن (المراعي) الخضراء، في مواضع الراحة مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب وجميع قديسيك، وأقم جسده في اليوم الذي عينته (رسمته)، بحسب وعودك التي لا تكذب ([62])، أن تجعل له أيضًا ميراثه الذي يستحقه في مراعيك المقدسة. لا تذكر معاصيه وخطاياه وأجعل انطلاقه مسالمًا ومباركًا. اشفِ أحزان أولئك الذين له (أقربائه وأحبائه) بروح التعزية، وأمنحنا جميعًا نهاية طيبة من خلال يسوع المسيح ابـنـك الـوحـيـد، الـذي مـن خـلالـه لك المجد والقوة في الروح القدس إلى أبد الآبدين. آمين] ([63])

- في المراسيم الرسولية (دونت380م) نجد المفهوم الحقيقي للطلبة والصلاة من أجل المنتقلين حيث يقول الشماس: [لنتوسل أيضًا من أجل إخوتنا الذين تنيحوا في المسيح، حتى يغفر الله محب البشر - الذي قبل روحه - كل خطية، بإرادةٍ أو بغير إرادةٍ، ويرحمهم ويكون عطوفًا عليهم، ويمنحهم نصيبًا في أرض الأتقياء المرسلين إلى حضن إبراهيم وإسحاق ويعقوب، مع كل من أرضوه وعملوا إرادته منذ بداية العالم، حيث لا يكون حزن وكآبة وتنهد]، ثم يُصلي الأسقف ويقول: [لأن أرواح جميع الناس عندك تحيا، وأرواح الأبرار في يدك، ولا يمكن لأي عذاب أن يمسهم؛ لأنهم جميعًا مقدسين تحت يدك: أنت الآن أيضًا أنظر إلى عبدك هذا، الذي أخترته قبلته لنصيب آخر، وأغـفـر لـه إذا كـان أخطأ بإرادة أو بغير إرادةٍ، وأرسل له ملائكة رحماء، وأجعله في حضن الآباء والأنبياء والرسل، وكل من أرضوك منذ بداية العالم، حيث لا حزن ولا كآبة ولا تنهد؛ بل في موضع راحة الأتقياء وأرض المستقيمين غير المضطربة، والتي يرون فيها مجد مسيحك؛ الذي به يكون لك المجد والكرامة والعبادة والشكر والسجود، في الروح القدس إلى الابد آمين] ([64])


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] William E Addis, A Catholic Dictionary، Purgatory, P. 702
[2] Libreria Editrice Vaticana, Catechism Of The Catholic Church, Glossary: Purgatory, P. 896.
[3] Joseph Gill, The Council Of Florence, Appendix: The Decree Of Union, P. 414.
[4] J. Waterworth, The Canons And Decrees Of The Sacred And Ecumenical Council Of Trent, Sess. 25, PP. 232 - 233.
[5] Ibid, Sess. 6, Can. 30, P. 48.
[6] J. Donovan, The Catechism Of The Council Of Trent, On the Fifth Article Of The Creed, P. 51.
[7] J. Sadlier, Purgatory: Doctrinal Historical And Practical, The Souls In Purgatory, P. 125، &: W. H. Anderdon، Purgatory Surveyed, 1: Of The Fire Of Purgatory and Pain Of Sense, P. 6.
[8] J. Donovan, The Catechism Of The Council Of Trent, On the Lord Prayer, P. 384.
[9] W. H. Anderdon, Purgatory Surveyed, 2: Of The Worm And Pain Of Loss, P. 22.
[10] J. Donovan, The Catechism Of The Council Of Trent, op. cit. P. 51.
[11] Ludwig Ott, Fundamentals Of Catholic Dogma, 4. Duration Of The Purifying Fire, P. 485.
[12] البابا ليون العاشر Leo X (1475-1521م)
[13] Henrici Denzinger & Petrus Hunermann, Enchiridion Symbolorum Definitionum Et Declarartionum De Rebus Fidi Et Morum, N. 1448, PP. 589- 590
[14] مزمور 32: 5
[15] إشعياء 44: 22
[16] حزقيال 18: 21- 22
[17] يوحنا الأولى1: 9
[18] لوقا 23: 43
[19] كورنثوس الثانية 12: 2- 4
[20] رؤيا يوحنا اللاهوتي 2: 7
[21] متى5: 22
[22] لوقا 16: 19- 31
[23] متى25: 31- 46
[24] متى25: 1- 13
[25] متى18: 18
[26] متى16: 18- 19
[27] تيموثاوس الثانية 1: 16- 18
[28] Alexander Roberts & James Donaldson, Ante Nicene Christian library, Vol. 5 : Cyprian، On The Lapsed, N. 36, P. 447
[29] إشعياء 43: 25، 26 "أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا ذَكِّرْنِي فَنَتَحَاكَمَ مَعًا" في النسخة البيروتية
[30] Philip Schaff & Henery Wace, A select Library Of The Nicene And Post Nicene Fathers Of The Christian Church, Second Series, Vol. 10, St. Ambrose, Concerning Repentance, Book. 2, Ch. 6, N. 41, P. 350
[31] Robert C. Hill, The Fathers Of The Church A New Translation, Vol. 116: St. Cyril Of Alexandria: Commentary On The Twelve Prophets: Vol. 2: Commentary On Jonah, Ch. 3, Ver. 10, P. 172
[32] يوحنا 14: 2
[33] كورنثوس الأولى 5: 41، 42
[34] متى 25: 23
[35] لوقا 12: 46
[36] Philip Schaff & Henery Wace, A select Library Of The Nicene And Post Nicene Fathers Of The Christian Church, Second Series, Vol. 8, St. Basil : On Spirit, Ch. 16, N. 40, P. 25
[37] مزمور 1: 5 "لا تَقُومُ الأَشْرَارُ فِي الدِّينِ"
[38] مزمور 115: 17
[39] أيوب 7: 9
[40] A Library Of Fathers Of The Holy Catholic Church, Vol. 2, The Catechetical Lectures Of St. Cyril Archbishop Of Jerusalem, Lecture. 18, N. 14, PP. 246 - 247
[41] متى25: 41
[42] متى 25: 34
[43] Philip Schaff & Henery Wace, A select Library Of The Nicene And Post Nicene Fathers Of The Christian Church, First Series, Vol. 10, St. Chrysostom: Homilies on Matthew's Gospel, Homily. 79, N. 2, P. 476
[44] متى 25: 1- 13
[45] لوقا 13: 25
[46] Ibid, Homily. 78, P. 471.
[47] Bernard M. Peebles, The Fathers Of The Church A New Translation, Vol. 2: St. Augustine: Faith And Hope And Charity, Ch. 29, N. 109 & 110, Pp. 461 - 462.
[48] Philip Schaff & Henery Wace, A select Library Of The Nicene And Post Nicene Fathers Of The Christian Church, Vol. 2, St. Augustine, City Of God, Book. 21, Ch. 13, P. 464. ; Gerald G. Walsh And Daniel J. Honan, The Fathers Of The Church A New Translation, Vol. 24, St. Augustine: City Of God, Book. 21, Ch. 13, P. 373
[49] Alexander Roberts & James Donaldson, Ante Nicene Christian library, Vol. 5 : Cyprian, On The Lapsed, N. 28 & 29، P. 445
[50] Adam Lehto, The Demonstrations Of Aphrahat The Persian Sage, Demonstration7: On The Penitent, N. 3 & 4, PP. 201- 202
[51] Philip Schaff & Henery Wace, A select Library Of The Nicene And Post Nicene Fathers Of The Christian Church, Second Series, Vol. 14, The Canons Of Basil, Can. 74(lxxiv), P. 609 ; Ibid, Vol. 8, Letter. 217 (ccxvii) To Amphilochius on the Canons, 74 (lxxiv), PP. 257 - 258.
[52] متى 18:18
[53] يوحنا20: 23
[54] Philip Schaff & Henery Wace, A select Library Of The Nicene And Post Nicene Fathers Of The Christian Church, Frist Series, St. Chrysostom, Vol. 9, On The Priesthood, Book. 3, Ch. 1, N. 5, P. 47
[55] متى 19:16
[56] Thomas P. Scheck، The Fathers Of The Church A New Translation، Vol. 117 : St. Jerome : Commentary On Matthew، Book. 3, Ch. 16، P. 193
[57] متى16: 19
[58] A Library Of Fathers Of The Holy Catholic Church، Vol. 37، Exposition On The Book Of Psalms By St. Augustine ، Psalm. 102 ، N. 3، P. 21
[59] كورنثوس الأولى 5:5
[60] كورنثوس الأولى 2: 7
[61] Ibid, Vol. 48: Commentary On The Gosple According To St. John By St. Cyril Archbishop Of Alexandria Vol. II :Book. 12, Ch. 1, P. 680.
[62] تيطس 1: 2
[63] John Wordsworth, Bishop Sarapions Prayer Book, V. Commendation Of The Dea,1923, PP. 79 - 81.
[64] Alexander Roberts & James Donaldson, Ante Nicene Christian library, Vol. 7 : Constitutions Of The Holy Apostles, Book. 8, Ch. 41, PP. 497- 498.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال